موضوع: من هم السلف الصالح؟ الخميس نوفمبر 22, 2007 6:06 pm
معنى السلف
يقول ابن منظور: سلف: تسلف يسلف سلفا وسلوفاً: تقدم، والسالف: المتقدم والسلف والسليف والسلفة الجماعة المتقدمون. وقوله عز وجل : (فجعلناهم سلفا ومثلاً للآخرين...).
وقال الجوهري... وسلف الرجل: آباءه المتقدمون والجمع أسلاف(1).
وقال ابن الأثير: سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح(2).
- اصطلاحاً:
هناك اختلاف حول تحديد المقصود بالسلف، فقد قيل: هم الصحابة فقط، وقيل: الصحابة والتابعين، وقيل: وتابعوا التابعين(3).
في (فتاوى اللجنة الدائمة): ج2 ص 166 في السعودية قالوا عن السلفية: نسبة إلى السلف، والسلف هم صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى (رضي الله عنهم).
والرأي الأشهر بين العلماء أنّ السلف يراد بهم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين(4).
• لماذا السلف (الصالح)؟
لقد أثبت كثير من المسلمين(5) الصلاح والاستقامة للسلف، فهل هناك دليل يقودنا لهذا الإثبات؟ وإذا كان أم لم يكن فمن هم السلف (الصالح)؟!
إن القائلين باستقامتهم ارصدوا مجموعة أدلة ونحن نستعرض أهمها في الأسطر الآتية:
- الدليل الأول:
إنّ أشهر دليل هو ما رواه البخاري عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...).
فهذا الحديث أثبت الخيرية للقرون الثلاثة الأولى.
نقض الدليل:
إن هذا الحديث يعارضه أحاديث أخرى عديدة عن أنس أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخر)(6).
وقال (صلى الله عليه وآله): (ليدركنّ المسيح أقواماً إنهم لمثلكم أو خير) ثلاث مرات(7).
وقد ذهب ابن عبد البر أنّ في آخر أمته من هو خير من بعض من صحبه(8).
لاشك أنّ القرن الذي ولدَ فيه النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل القرون ولكن هذا لا يوجب علينا أن نثبت الاستقامة لكل من صحب النبي، فهناك المنافقون وهناك من آذى النبي وردّ عليه كلامه، وقد حدثت فجائع في هذا القرن، من حرب الجمل إلى صفين إلى النهروان وضربت الكعبة بالمنجنيق من قبل يزيد، وقُتِل الحسين حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحُمِل رأسه إلى الشام...
- الدليل الثاني:
قول الله عزّ وجل: (كنتم خير أمة أخرجت للناس..) واحتج بها ابن القيم على وجوب اتباع السلف(9)
مناقشة الدليل:
إن الخطاب في الآية للأمة كلها. قال ابن كثير: (والصحيح أنّ هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه)(10).
والآية مقترنة بما بعدها: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
قال عمر: (من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها)(11).
- الدليل الثالث:
قول الله عزّ وجل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)[التوبة: الآية100].
وقد ذهب محمد بن كعب القرظي إلى أنّ الله غفر لجميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وأوجب لهم الجنة وحين سُئِل: في أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال: ألا تقرأ (والسابقون الأولون..).
أوجب لجميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم - قال السائل -: وما اشترط عليهم؟
قال: (اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان...)(12).
إنّ الرجوع إلى أجواء النزول يعيننا على فهم الآية.
جاء في تفسير الطبري: (السابقون الأولون: الذين بايعوا الرسول بيعة الرضوان أو الذين صلوا القبلتين مع الرسول (صلى الله عليه وآله) )(13).
وفي تفسير البغوي: (أمّا السابقون من الأنصار: فهم الذين بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة وكانوا ستة في العقبة الأولى وسبعين في الثانية)(14).
فالآية نازلة في فئة قليلة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ولا تعمم على كل الصحابة الذين تجاوز مائة ألف إنسان!
وقد اشترطت الآية في اللذين جاءوا بعدهم أن يتبعوهم بإحسان - وهم غالبية الصحابة - أن يتبعوهم بإحسان، فشرط الاتباع بإحسان وارد في الصحابة أنفسهم وليس في طبقة التابعين!
والرضا عنهم ليس دائمي فإذا ما عصوا أو أذنبوا فالله محاسبهم كغيرهم فهو عزّ وجل القائل لنبيه (لئن أشركت ليحبطنَّ عملك)[الزمر: الآية65]، لقد كان الرضا لبيعتهم النبي (صلى الله عليه وآله)، وخاتمة الإنسان هي التي تحدد مصيره.
• مواجهة حرجة
كانت تلك أبرز الأدلة التي أرصدها السلف لإنقاذ أهل القرون الأولى من محنتهم!
أما مسألة تحديد السلف الصالح - فهي لأول وهلة - صعبة، ولعل البعض يتخبط وسط ركام النصوص المتناقضة لقد عصى الصحابة النبي (صلى الله عليه وآله) مرات عدة وأغضبوه، ففي صلح الحديبية لم يمتثلوا أمره إلا بعد عناد(15) وفي آخر حياته اتهموه - حاشاه - بالهذيان، وكان الناطق عمر بن الخطاب(16)، ورفضوا السير تحت لواء أسامة(17).
وهناك نصوص أخرى محرجة تنسف كل البناء الذي بنى عليه السلفية بنيانهم.
قال (صلى الله عليه وآله): (إنّ ممّا أخشى عليكم بعدي بطونكم وفروجكم ومضلات الأهواء)(18).
وقال(صلّى الله عليه وآله) : (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)(19).
وعن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (ليردنّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)(20).
وفي رواية يقال للنبي (صلى الله عليه وآله): (إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)(21).
وهمل النعم: إلا بل الضالة وهو كتابة عن نجاة القلة منهم(22).
إنّ الذين غيروا وارتدوا هم أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) المقربين منه كما يفهم من سياق أحاديث أخرى.
قال أنس بن مالك: ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) !
قيل: (الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها)(23).
وعن العلاء بن المسيب عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب فقلت: طوبى لك صحبت النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعته تحت الشجرة. فقال: يا بن أخ، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده(24).
وهؤلاء الصحابة يعترفون على أنفسهم، فمن نصدق قول الرسول (صلى الله عليه وآله) فيهم أم السلفيين؟!!
• فهاهم السلف الصالح!
حاشا للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يترك أمته دون بيان طريق الحق من بعده، إنّ الحق مرُّ (فقط) في النفوس المريضة المعاندة التي يتحول رحيق الحق في داخلها إلى تعصب ورفض لكل حق.
إنّ سبيل معرفة السلف الصالح واضح في كلام النبي (صلّى الله عليه وآله). وأهم (نص) شدّد عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وأمر الأمة الالتزام به هو حديث الثقلين الذي رواه 35 صحابي.
وهو كما في سنن الترمذي: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفونني فيهما).
وهذا الحديث حفلت به كتب الحديث والتاريخ وقد رواه مسلم(25).
وأهل البيت الذين قرنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بالقرآن وجعل التمسك بهم طريقاً للنجاة هم: علي وفاطمة والحسن والحسين وبقية الأئمة الاثنى عشر.
عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلهم من قريش)(26).
وحديث السفينة: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)(27) يزيد المسألة إشراقاً وثباتاً.
إنّ مفهوم (السلف الصالح) لا يزال من المفاهيم الشائعة الاستعمال حالياً ويطبق على غير أهله، وقد بيّنا الطريق الذي يرشدنا إلى سلفنا الصالح من خلال النص النبوي، فطوبى لكل من يرتشف الحق بلذة!
الهوامش
1 - لسان العرب: ج 6 ص 330 - 331.
2 - النهاية: ج 2 ص 190.
3 - وسطية أهل السنة: محمد يا كريم ص 110.
4 - السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الدكتور عبد الحليم محمود: ص 9.
5 - وهم الجمهور، ونقصد بالأخص: السلفية.
6 - سنن الترمذي: ج 5 ص 152، مسند أحمد: ج 3 ص 143.
7 - فتح الباري: ج 7 ص 5 وحسنه ابن حجر.
8 - الاستنكار: ج 2 ص 172.
9 - إعلام الموقعين: ج 4 ص 131.
10 - تفسير ابن كثير: ج 1 ص 399.
11 - فتح القدير: الشوكاني: ج 1 ص 372.
12 - وهذا معتقد جمهور المسلمين راجع: الدر المنثور: ج 4 ص 272.
13 - تفسير الطبري: ج4ص153ـ ص154
14 - تفسير البغوي: ج4ص88
15 - صحيح البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد.
16 - صحيح البخاري: كتاب المرض والطب، صحيح مسلم: كتاب الوصية.
17 - الملل والنحل: الشهرستاني: ج1 ص29 .
18 - مسند أحمد: ج 4 ص 420.
19 - صحيح البخاري: كتاب الفتن.
20 - صحيح البخاري: كتاب الرقاق، باب في الحوض.
21 - نفس المصدر.
22 - راجع شرح هذه العبادة في فتح الباري.
23 - صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة.
24 - نفس المصدر: كتاب المغازي.
25 - سنن الترمذي، كتاب المناقب، وصححه الألباني، صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي.