على الازرق عضو فعال
عدد الرسائل : 169 تاريخ التسجيل : 16/04/2007
| موضوع: الأخسرين أعمـالا الجمعة مايو 25, 2007 10:54 am | |
| [b] ا[size=18]لأخسرين أعمـالا
كم من السنوات التى قضاها يحلم بهذا اليوم.. كم كافح واجتهد وسهر الليالى من أجل أن يخطو أولى خطواته فى طريق الطموحات الطويل الذى رسمه لنفسه منذ أن تكون إدراكه للحياة اليوم حصل على بكالوريوس التجارة بتقدير جيد من جامعة القاهرة.. تلك هى الخطوة الأولى فى مشواره.. والتى كان يعتقد أنها الأصعب.. اليوم فك أول القيود التى كانت تقيده وتمنعه عن البداية الحقيقية لحياته التى طالما حَلُم بها ********* أخيراً أصبح فى يده سلاحاً يستطيع به أن يواجه مصاعب الحياة ومشاقها.. أصبحت فى يده شهادة جامعية يستطيع بها أن يبدأ البحث عن عمل يوفر له حياة كريمة.. اليوم سوف يطلب من أمه - التى عانت فى حياتها من أجله – أن تستريح.. وتترك العمل على ماكينة الخياطة التى طالما سهرت ليالٍ طويلة وهى منكفئة عليها لتوفر له مصاريف دراسته هو وشقيقته التى أنهت دراستها رغم أنفها بحصولها على الدبلوم نظراً لضيق ذات اليد.. اليوم سيوافق أن يقابل ذلك الشاب الذى يريد أن يتقدم ليطلب يد أخته.. كثيراً ما طلبت منه أخته أن يوافق على هذه المقابلة.. ودائما ما كان يرفض طلبها هذا معللاً رفضه بأنها ما زالت صغيرة وأن الأوان لم يحن بعد.. ولكنه كان يكتم فى نفسه السبب الحقيقى لذلك الرفض كان يخشى ما بعد الموافقة.. من مصاريف وجهاز وأشياء أخرى مما تحتاجها البنات اللائى يقفن فى نفس موقفها هذا ********* كان يعتقد أن الصعب قد انتهى.. ولكنه لم يكن يدرك أن القادم أصعب.. وبدأ مشوار البحث عن وظيفة.. وكان يمنى نفسه دائما - أثناء دراسته - بالعمل فى أحد البنوك الكبرى لما يعلمه من تمتع العاملين بتلك البنوك من مزايا كثيرة ومرتبات مجزية.. ولكنه مع أولى محاولاته اصطدم بأرض الواقع.. فكل البنوك الكبرى لا ترضى بالتفوق الدراسى فقط.. إذ لا بد من الواسطة أن تصاحب ذلك التفوق لكى تزكى فرصتك فى الحصول على الوظيفة وبعد رحلة طويلة من البحث.. فقد الأمل فى الحصول على وظيفة فى أى من البنوك التى تقدم بطلب لشغل إحدى وظائفها.. تخلى عن حلمه هذا.. أو أزاحه قليلاً لحين إشعار آخر.. وبداخله من المشاعر الناقمة على الفساد والواسطة - التى بدونها لن يكون لك مكان - ما يكفى لإشعال ثورة على أوضاع البلد السيئة ولكنه كان يقتنع تماماً بأن لا يأس مع الحياة.. تلك الحكمة التى كان يلجأ إليها دائماً كلما شعر بأن أبواب الدنيا توصد فى وجهه باباً تلو الآخر وبدأ مشوار البحث من جديد.. قدم طلباً فى تلك الشركة.. وأجرى مقابلة فى أخرى.. وشركات أخرى اعتذرت بحجة عدم حاجتها إلى موظفين جدد.. ومكاتب أخرى اشترطت الخبرة حتى تتيح له فرصة العمل بها.. وانتظر يوماً واثنين.. وشهراً وشهرين ********* اليوم.. مر عام كامل على تخرجه وهو لا يزال فى مكانه تماماً.. لم يتحرك خطوة إلى الأمام.. فلم يعمل.. ولم تتوقف أمه عن العمل على ماكينتها.. وذلك الشاب الذى يقف على عتبة بيتهما يستأذن الدخول ولا يجد من يجيبه أخذ فى هذا اليوم يسير فى الشوارع هائماً على وجهه.. يبحث عن إجابة لذلك السؤال.. الذى لم يفارق ذهنه منذ صدمته الأولى فى مشوار بحثه عن وظيفة ما الخطأ الذى ارتكبه فى حياته.. وما هو التقصير الذى قصره فى دراسته حتى يظل هكذا بلا عمل.. مثله مثل من لم يتلق تعليماً أو يرهق نفسه بالمذاكرة وسهر الليالى ولكنه تذكر إحدى الحكم التى كان قد قرأها قديماً: لا تيأس.. فغالباً ما يكون المفتاح الأخير فى جعبتك هو الذى تحتاجه.. وأزاح الحلم الثانى جانباً.. وأجله لجولة أخرى.. واقتنع بمشورة أحد أصدقائه بأن يتخلى عن حلم العمل بشهادته أو فى مجال تخصصه الذى درسه.. ويلقى بهذا جانباً.. ويرضى بأى عمل تتيحه له الظروف.. مهما كان ذلك العمل طالما أنه عملٌ شريف وبحث فعلاً من جديد.. ولكن البحث فى تلك المرة لم يدم طويلاً.. إذ وُفق فى الحصول على عمل فى قسم الاستقبال بإحدى الفنادق الكبرى.. وبقدر سعادته فى الحصول على ذلك العمل بعد رحلة البحث المضنية.. بقدر حزنه على ما أضاعه من سنوات عمره بحثاً عن شهادة لم يكن لها دور إلا أن تزين حائط غرفته ********* ولكنه سرعان ما اندمج فى عمله.. وطوى حزنه جانباً.. ولفت نظر مديريه بنشاطه وهمته وذكائه.. ووعدوه بترقيته إلى مكان أفضل فى أقرب فرصة وتحسنت أحواله المادية قليلاً.. وأقنع أمه أن تكف عن سهرها على تلك الماكينة.. ووافق أن يقابل ذلك الشاب الذى انتظر طويلاً.. وعرفت السعادة طريقها إلى قلبه ثانية بعد غياب دام عامين ولكن الرياح تأتى دائما بما لا تشتهى السفن.. إذ علم فى يوم من الأيام وهو يتبادل أطراف الحديث مع أحد زملائه فى العمل.. بأن الفندق يستعد بعد أسبوع لحفل قران كبير.. ولكن المشكلة لم تكن تكمن فى حفل القران بذاته.. ولكنها تكمن فى نوعية ذلك الحفل.. إذ أنه قران يختلف عن أى قران آخر.. الزواج شرع الله الذى أمر به عباده.. ولكن ذلك الزواج يختلف.. إذ أنه لرجلين.. نعم لرجلين.. من أثرياء الخليج العربى.. ذهب عقلهما وأضلهما الله وزين لهم سوء ما يفعلون.. فلم يكتفوا به سراً.. بل أرادوه علناً وعلى مسمع من كل الدنيا والناس محطمين شرع الله وعقيدته.. غير مبالين بحدوده.. ولا مدركين للعذاب الذى يتوعدهم به الله وجن جنونه.. إذ كيف توافق إدارة الفندق على مثل تلك الفضيحة.. واعتقد أن فى الأمر خطأ ما.. فطلب مقابلة مدير الفندق ليتأكد من صحة تلك المعلومات التى يتداولها زملائه وبعد محاولات عدة.. نجح فى مقابلة مدير الفندق.. ولكنه تمنى - بعد تلك المقابلة – لو أنه لم يعمل لحظة واحدة بذلك الفندق.. بل تمنى بأنه لم يكن يأتى إلى تلك الدنيا.. فكل شئ مباح ومتاح وممكن وميسر إذ كنت تملك إحدى الفتنتين.. المال أو السلطة ********* قدم استقالته على الفور.. وعاش أياماً هى الأصعب فى حياته.. خاصة بعدما اشتد المرض على أمه.. وأصبحت حالتها الصحية فى وضع حرج - لا يحمد عقباه - ما لم تتهيئ لها ظروف العلاج المناسبة.. وأخته تطارده كل يوم بمطالبها لكى تستعد لزواجها الذى تأخر كثيراً.. وتشكو إليه خوفها من أن يمل ذلك الشاب الذى انتظر طويلاً وكثيراً وسُدت أبواب الدنيا فى وجهه ثانية.. وأخذ يصب لعنته على الظروف.. وعلى المسئولين والحكومة فى تلك البلد.. فلو أنهم كانوا وفروا له من البداية فرصة عمل تناسب ما بذل من مجهود فى دراسته.. وأتاحوا له حياة كريمة.. ما كان هذا هو الوضع الآن ********* لم يجد غير الله لكى يتجه إليه.. فعندما تشتد بنا الشدائد.. وتصيبنا المصائب.. وتُلم بنا الملمات.. لا نجد غيره نلجأ إليه.. طالبين عونه أخذ يتردد على المسجد كثيراً.. بل أنه أحياناً ما كان يغادره بين الصلوات ويظل جالساً هناك طوال يومه..وتعرف هناك على بعض الشباب فى مثل عمره.. وكانوا دائما ما يتبادلون الحديث فى أحوال المجتمع وسياسة البلد وفساد المسئولين ومرة بعد مرة.. أخذ يتبادل الحديث معهم ويؤيدهم فيما يرونه من ضرورة التغيير لتلك الوجوه التى أضاعت حق الله وحق العباد وفى يوم من الأيام.. قاموا بدعوته إلى إحدى الدروس الدينية التى يحضرونها.. عند أحد المشايخ.. وكان حديث الدرس كله منصبا على الجهاد فى سبيل الله.. وضرورة تغيير المنكر حتى ولو باليد وتدهورت حالة أمه الصحية أكثر.. وأصبح لا بد من إجراء عملية لها.. عملية لا ينفع معها تأجيل أو تسويف.. وليس هناك لها بديلاً.. ولكن من أين التكلفة؟ أما ذلك الشاب الذى انتظر طويلاً وكثيراً.. قد ملّ الانتظار وأرهقه الصبر.. وطلب بأدب وكياسة أن ينهى ذلك الانتظار داعياً لتلك الفتاة بحياة أفضل ومستقبل أسعد مع من يستطيع الانتظار أكثر وداوم هو على حضور تلك الدروس مع ذاك الشيخ.. واقتنع تماماً بأفكاره.. ورأى أنه لا بد من تغيير الأوضاع.. فأي سوءٍ بعد الذى يحياه؟ ********* ماتت أمه فى المستشفى.. ورفضوا تسليم جثتها له إلا بعد أن يقوم بدفع الحساب كاملاً.. ولكنه لا يملكه.. والمستشفى تتعنت وتتعنت ولا ترضى عن المال بديلاً.. نحن فى زمن المال أو السلطان أو كلاهما معاً.. فإن لم تكن تملك هذا ولا ذاك.. فعجباً من وجودك فى تلك الدنيا وفى هذا الزمان اقترض من هذا ومن ذاك.. وقلبه يتفطر حزنا وحسرة على ما آل إليه وضعه.. وأخذ يتذكر أحلامه القديمة وهو يوارى جثة أمه التراب ولكنه كان قد عقد العزم على التغيير.. إذ لابد من التغيير.. لابد من ثورة تضع حداً لذلك الفساد الذى استشرى فى البلاد.. وذهب إلى ذلك الشيخ الذى أدمن دروسه ومحاضراته وتشنجاته.. وطلب منه النصح والمعونة.. ورأى فيه الشيخ نبتة تصلح أن تكون قوة يستغلها فى التغيير الذى دائما ما كان يحدث مريديه عنه وبعد ثقة الشيخ فيه.. أوكل إليه إحدى المهام.. تلك المهام التى تذهب إليها وقد لا ترجع.. ولكن مما الخوف.. فإن لم ترجع.. فأنت فى الدار الحسنى.. التى لا يظلم فيها أحد.. ولا سطوة للمال والسلطان عليها ********* كانت المهمة هى اغتيال أحد الوزراء أثناء مرور موكبه بشارع كبير.. رُسمت الخطة بدقة وعناية وتدرب منفذوها عليها جيداً وجاء يوم التنفيذ.. وصاحبنا لا يتسلح بسلاحه فقط.. وإنما بفساد مجتمعه ومسئوليه.. وإيمانه بضرورة التغيير ونفذت العملية بنجاح.. ولكن لم يقتل الوزير وحده وإنما معه العديد من الأشخاص اللذين أوقعهم حظهم العثر من المرور فى تلك المنطقة فى نفس الوقت و أصيب هو بإصابة بالغة.. شعر معها بدنو أجله.. وقرب نهايته.. ولكنه رغم إصابته استطاع الفرار ولكن صورة هؤلاء الأبرياء الذين ضاعت أرواحهم هباءً لم تفارق ذهنه.. ولا سيما ذلك الطفل الذى كان يتأبط ذراع أبيه سعيداً شاعراً بالآمان أخذ يجرى ويفر حتى وصل إلى أحد المناطق المهجورة.. ولم يقو بعد ذلك على التحرك خطوة.. ألقى جسده على التراب.. وسمع رجلاً كبيراً يقترب منه وهو يحمل فى يده مصباح.. ويحاول أن ينقله إلى عشته الصغيرة - حتى يعالجه – التى ينبعث منها صوت المذياع.. والشيخ يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً.. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُم فِى الحَيَاةِ الدُنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُم يُحْسِنٌونَ صٌنْعَا صدق الله العظيم[/ size][/b] | |
|