[b]نظريات التغذية الصحية و«السموم» الجسدية: أين الحقيقة؟ Mon Jan 22, 2007 1:02 pm
--------------------------------------------------------------------------------
التلفزيون يقود رواجها ... نظريات التغذية الصحية و«السموم» الجسدية: أين الحقيقة؟
ربما كان مشاهدو الأقنية الفضائية هم الأكثر ابتلاء بتلك السلسلة من الوجوه التي لا تكل من الحديث عن «السموم» التي تملأ أجساد البشر فتعرضهم لأمراض واعتلالات لا حصر لها، بما في ذلك الاضطراب النفسي. وتُشدّد «وجوه السموم» (إذا جازت التسمية) على ضرورة التخلص منها كإجراء لا مفر منه للعيش بأمان وبصحة جيدة! وتنبري بعض تلك الوجوه لتعرض وصفات تبدأ بالتشديد على أنواع معينة من الحميات ولا تنتهي عند التدخل الجراحي! ويرفع بعضهم شعار «الطب البديل» ليُغلّف شحنة التخويف والترهيب من السموم. وكأن تلك الوجوه تطالب مشاهديها بأن يحمدوا الله أن مدّ بأعمارهم ليروا شاشة تنبّههم مما كانوا غافلين عنه، وتدلهم الى الطرق التي تُخلص أجسادهم وعقولهم وعواطفهم، من السمّ البغيض.
السموم مرادفاً للحياة!
تُحدث عمليات إزالة السموم التي تشمل نصائح «بغسل» الكبد والكلي والأمعاء، ضجة كبيرة عالمياً. وتكتسح الإعلانات المتعلقة بها غلافات المجلات وكتيبات التوعية الصحية ومواقع كثيرة على الإنترنت. ويعد بعضها بتخليص الناس من السموم، وذلك بمجرّد تناول بضع حبوب وخليط من الحامض والفلفل وبعض أنواع العصائر، أو حتى بعد أسبوع من الحمية القاسية التي قد تتضمن عمليات «غسيل». ويروج «أنصار السموم» انها تدخل الى الأجساد مع الماء والهواء والطعام! وينصحون بأشياء متفاوتة تمتد من تناول كوبٍ من الماء إلى علاج يمتد لاسبوعٍ «لتنظيف القولون وإزالة السموم منه» في مقابل 4623 دولاراً بحسب عرض سخي من مركز «ذي راج»The Raj الذائع الصيت في ولاية آيوا الاميركية.
وراهناً، يعرف هذا القطاع رواجاً كبيراً، خصوصاً في الغرب. وقد شرع في الامتداد الى الشرق، بما فيه الدول العربية. وفي المقابل، تدق جموع الأطباء، من مُتّبعي الطب الأكاديمي كما من اختصاصيي الطب البديل، ناقوس الخطر. وينبهون الى أن فعالية تلك العلاجات ليست مُدعمة علمياً، وأنّ الإفراط في «التطهير» يوهن الجسم. ومثلاً، يوضح الدكتور سكوت غرينبرغ رأيه بالقول: «أعتقد بأن من الصعب تقدير قيمة تلك المنتوجات التي يفترض أن تطهّر الكبد والقولون».
يعمل غرينبرغ لحساب «مركز ماغازاينر للعافية ومعالجة الأمراض المرتبطة بالتقدّم في السن» Magaziner Center for Wellness and Anti-Aging Medecine.
وقد أشرف سابقاً على دراسة سريرية واسعة موّلتها الحكومة الاميركية عن تلك المسألة. ويلاحظ غرينبرغ أن التحسّن الذي أحسّ به عدد كبير من المرضى، يعود الى أنهم تركوا الطريقة العشوائية في التغذية، واتبعوا نظاماً صحياً في الطعام، تضمن أكل الكثير من الخضر والفواكه، خلال فترة الدراسة. ويخلص الى القول إن «التخلص من السموم» لم يمثّل العامل الحاسم في التحسن الصحي في تلك الحالات. والمعلوم انّ السلطات الأميركية لا تفرض أن تمر الفيتامينات والأعشاب لعملية الإختبار الدقيقة نفسها التي تمر بها الأدوية. وإذ يشكّك بعض الأطباء الأكاديمين بفوائد «عمليات إزالة السموم»، فإنهم يدعون الى المزيد من التقويم العلمي لتلك الوسائل.
وبحسب كيث ليندور، طبيب جهاز هضمي متخصص في مشاكل الكبد في «كلية الطب في عيادات مايو» Mayo Clinics College of Medecine، فإنّ «من الأفضل إخضاع تلك المنتوجات للإختبار، قبل حسم الرأي في شأنها نهائياً».
وفي المقابل، يرفض كثير من الأطباء هذه الممارسة. ويشيرون بحذق الى أن محفظة المرضى هي وحدها التي تخضع للتطهير، في حال الاستسلام لوهم السموم والتخلص منها.
ويعتقد البروفسور ديفيد كابلان، الاختصاصي في الجهاز الهضمي في كلية الطب - جامعة بنسيلفانيا الاميركية، أنّ هذه العلاجات تناسب الأشخاص الذين يملكون أموالاً فائضة ويشعرون بحاجةٍ ملحة الى إنفاقها! وبالفعل، هناك مبالغ طائلة من الأموال في هذا المجال. وقد انتقلت قيمة مبيعات المنتوجات «المطهّرة» أميركياً من 17،8 مليون إلى 27،6 مليون دولار عام 2005، بحسب مكتب «سبينس» Spins المتخصص في سوق المنتوجات الطبيعية.
وفي الاتجاه المُضاد، تشير أليسون غينز، وهي أختصاصية تغذية في مستشفى «لينوكس» الاميركي، الى ان ازالة السموم ليست مجرد صيحة من صيحات الموضة. وتعمل غينز في مجال التخلص من السموم، وترى فيها ممارسة لها جذور قديمة. ففي عشرينات القرن الماضي، دأب جون هارفي كيلوغ الذي امتلك مصحاً في «ميشيغان»، على اقتراح غسيل يومي لمرضاه. غير أنّ هذه الممارسة أُهملت مع الوقت لتعود بقوة في الستينات، على شكل طريقةٍ للإحتجاج. وراهناً، يشدّد نفر من الخبراء على قدرة الجسم على تنظيف نفسه بنفسه. وفمثلاً، يشير كابلان الى أنّ الغشاء الداخلي للقناة الهضمية يتجدد مرةً كل 3 أيام. ويؤكد ليندور أنّ الأمر سيّان بالنسبة إلى الكبد، فيقول: «يتولى الجسم «حرق» بعض المواد الغذائية، كالدهون، وإفراز سائل المرارة الذي يسهّل عملية الهضم... كما تهتم الكليتان بمعالجة المواد التي يعجز الجسد عن هضمها».
شراك المغالاة
الأسوأ هو أنّ العلاجات الطويلة الأمد قد تولّد مشاكل عدّة، تتراوح بين فقر الدم (أنيميا) وسوء التغذية، بحسب رأي طبي سائد. ويجدر بالأشخاص الذين يتبعون علاجاً للتخلص من السموم استشارة أطبائهم أولاً. ويشدد هواة عمليات إزالة السموم على ضرورة الإقدام على هذه الخطوة بتروٍ: فالمهم هو منح الجسد الوقت الكافي ومنع الأطعمة الثقيلة عنه لفترةٍ من الزمن بغية السماح له بأن يتطهّر. وتنصح أليسون غينز مرضاها بتناول العصير والحساء، مع أكل أطعمة مُكوّنة من حبوب كاملة.
وتشجع عمليات الغسيل ولكنها تبقيها غير إجبارية. وبالنسبة اليها، فإن التطهير يُعنى بإيجاد توازن أكبر وليس الوقوع في المغالاة.
غير أنّ ذلك قد يحصل أحياناً. فمثلاً، خاضت جانين غالاتي، التي تعمل كمعالجة فيزيائية في مركز «سنتر سيتي» Center City في ولاية «آيوا»، غمار علاجٍ تطهيري للكبد عندما كانت في الـ20 من عمرها. حدث ذلك بعد تلقيها نصيحة من مُعالجة متخصصة في العلاج بواسطة الأبر الصينية. وتوضح جانين أنّها أُصيبت بالتهاب في الكبد، من نوع ينتقل بالتقبيل، عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها. وظنّت طبيبتها أنها ما زالت تحمل المرض وأنه يشلّ طاقتها. بيد أنّ الدواء الذي كان من المفترض أن تتناوله أضفى لوناً أصفر على بشرتها. تناولت العلاج على مدى 3 أيام. وتتابع غينز: «كنت مريضة لدرجة أنني كنت أزحف على الأرض وأنا أتقيأ. وكان الوضع في غاية الخطورة».
منقوول للإفادة
_________________